الخميس، 16 فبراير 2017

(1) بداية الإنتشار للإنسان

شعوب العالم قبل وبعد نوح





لعلنا كي نستطيع تفهم طبيعة الأحداث منذ البداية علينا أولا أن نتفهم طبيعة التركيبات البشرية التي انتشرت في الأرض قبل وبعد أحداث الطوفان الذي أجتاح الأرض في أيام نوح عليه السلام . فلقد بدأت شعوب العالم القديم في الأنتشار والتباين وتحديدا من بعد هذا العصر كما هو راجح . أما الفترة التي سبقت بعثته بعد أيام آدم عليه السلام فقد كانت كلها علي التوحيد ولم يكن الشرك قد ظهر في الأرض بعد . ويرجح كثير من علماء الأنسان والتاريخ أن بني الأنسان قد بدأ انتشارهم من الجزء الجنوبي الغربي من الجزيرة العربية ثم أمتدت ذريتهم من هذا المكان الي جميع الأصقاع من حوله ..
ويقول الدكتور رشدي البدراوي " والأقرب الي العقل أن آدم وحواء خرجا معا وهبطا الي الأرض في مكان واحد ويقل في كتابه معالم تاريخ الإنسانية : أن مكان ظهور أول انسان العصر الحجري الحديث هو مكان ما من آسيا الجنوبية الغربية وهذا المكان هو اليمن "
ومن ذرية آدم التي كانت متركزة في بادىء الأمر في ذلك المكان انتشر أبناءه وأحفاده يجوبون أصقاع المعمورة فيما حول ذلك المكان . فمنهم من أنتقل الي الغرب عبر اليابسة التي كانت في مكان مضيق باب المندب ومنهم من أنتقل الي الشرق نحو أواسط وجنوب آسيا . ومنهم من انحدر الي الشمال نحو أواسط الجزيرة العربية وشمالها .
ويفترض أن جماعات من ذرية قابيل الذين ارتحلوا شرق اليمن وشمالها وصلوا شمالا الي أرض مابين النهرين حيث وجدوا الماء الوفير والأرض الصالحة للزراعة واستقروا في ذلك المكان وكونوا حضارة قديمة بدأت في الألف السادسة أو الخامسة قبل الميلاد .
لكن توجد اعتراضات كثيرة علي هذا الأفتراض فيذهب آخرون الي أن بداية الأنتشار كانت من بلاد ما بين النهرين ثم انتشرت منها الي غيرها من الأصقاع الأخري . وهم بذلك يشيرون الي الحضارة السومرية التي يؤكد العلماء علي أنها أول حضارة مدنية في التاريخ . بينما يذهب غيرهم أيضا إلي أن الإنسان الأول قد هاجر من قارة أفريقيا الي غيرها من مواقع العالم القديم ولكل نظريه يدعمها بأدلة مختلفة .
وأرتبط انتشار الأمم التي تعيش قبل نوح كلها علي التوحيد حيث يقول الله عز وجل في كتابه ( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ) البقرة 213 . وذلك كما ورد في الأثر الصحيح عن عن بن عباس رضي قال : كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلها علي الإسلام .
ومعني هذا الكلام أن الأمة والذرية التي كانت تعيش بعد آدم وحتي قبيل بعثة نوح إنما كانت أمه موحدة لله مازالوا علي التوحيد حتي بدأ الناس يشركون بالله وذلك بأتخاذهم الأصنام المشهورة والمذكورة في سورة نوح .
وهذه الحقائق تدحض وبشدة كل من زعم أن الدين والشرائع ما هي إلا نتاج قريحة البشر وأن التوحيد هو ثمرة كل مراحل ومحاولات الأنسان السابقة عبر كل العصور في ايجاد دين يدين به وأن الأديان الإبراهيمية – هكذا يطلق عليها الملحدون والمرجفون – ما هي إلا نتيجة لتطور الأديان البدائية علي حد زعمهم . وهذه الحقيقة الناصعة تضرب بكل مزاعهم وادعائتهم عرض الحائط بل تنسف ننظرية تطور الأديان من القواعد . ولا يحتاج المرء إلا لوقفه تأمل عميقة ليدرك مدي تهافت هؤلاء من فلاسفة وطبيعين ووملحدين غيرهم .
ولا يغرنا كثرة ما ألف في هذا الصدد فمهما تعددت المؤلفات والآراء تبقي تلك الحقيقة للأبد وأن الإنسان الأول كان علي التوحيد وظل كذلك حتي عهد قوم نوح الذين لم يسبقهم أحد الي الشرك فأهلهم الله بذلك .
ويبدو أنه لما ملئت الذرية شمال العراق يقال إنه ظهر فيهم خمس رجال صالحين هم ( ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر ) وأحبهم الناس لعدلهم وصلاحهم وعلمهم وتصادف بأن ماتوا جميعا في فترة واحدة متقاربة فجزع القوم عليهم فقال رجل من نسل قابيل : هل لكم أن اعمل لكم خمسة أصنام علي صورهم حتي تذكروهم ؟ . فنحت لهم خمسة أصنام ونصبها لهم ومرت السنون وعبدوها .
وقد ذكر بن عباس وغيره من السلف أن هذه أسماء قوم صالحين كانوا في قوم نوح فلما ماتوا عكفوا علي قبورهم وصوروا تماثيلهم ثم طال الأمد عليهم فعبدوهم .

وتفترض بعض المصادر بأن شيث بن آدم كان فد عبر مضيق باب المندب في نفس التوقيت الذي انتشرت فيه ذرية قابيل فيما بين النهرين . وهو الأفتراض الذي لم نجده في أحد الكتب المرجعية . وأن بنو شيث ساروا شمالا وعمروا أرض وادي النيل وولد فيهم إدريس عليه السلام – أخنووخ في التوراة – فأمنوا به واستمر فيهم التوحيد إلا انهم من بعده عاودا الي الشرك . وكان منهم من بقي علي التوحيد ورحلت قبائل منهم الي الشمال الشرقي ووصلت أرض فلسطين ثم الشام ثم شمال العراق حيث التقوا بأبناء عمومتهم أبناء قابيل .
ولعلهم أرادوا بذلك أن يوفقوا بين التاريخ ورواية العهد القديم وبين الأراء التي ذهبت الي وجود إدريس في مصر وأنه من علم أهل نصر القدماء علم الفلك والخط بالقلم وحياكة الثياب والزراعة ، وهو اجتهاد مشكور علي ايه حال .
وبناء علي هذا الأفتراض فإنهم يرجحون أن بنو شيث قد اتلطوا بأبناء عمومتهم من بني قابيل حتي ظهر فيهم الشرك ومن ثم ولد نوح عليه السلام في هذا التوقيت وبعثه الله تعالي فيهم ليعيدهم الي سبيل الرشاد .
علي أن آراء أخري تستبعد حدوث مثل هذه الأحداث بنفس الترتيب . حيث يقر مؤرخون بأن ادريس كان في الفترة التي سبقت نوح والتي لم يكن الشرك قد ظهر في الناس خلالها . وأنه كان مجددا لمله التوحيد دونما حاجة إلي أن يكون الشرك قد ظهر في الناس بعد .


ومن وجهه نظر مختلفة فإنه رجحت أقوال كثيرة الي أن ادريس ولد بمصر بمدينوة منف وسموه هرمس الهرامسة وسماه الله عز وجل في القرآن الكريم إدريس , ويقال أن هرمس لم يكن هو إدريس بل كان هرمس هذا رجل صالح يتبع مله إدريس فتشابهت أقوالهما وسيرتهما وأضيفت أخبار إدريس علي سيرته 
، بينما رجحت أقوال أخري أن إدريس ولد ببابل فلما وجد أن من أطاعوه نفر قليل نوى الرجلة عنهم وصاروا معه حتي أشرقوا علي وادي النيل ومن هنا جاء الربط بينه وبين مصر في قصصهم .

=====================================
المرجع : فرعون ذو الأوتاد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق