الأحد، 26 فبراير 2017

(9) نوح والطوفان - الجزء الأول

أرتبط انتشار الأمم التي تعيش قبل نوح كلها علي التوحيد حيث يقول الله عز وجل في كتابه : ( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ) البقرة 213 .
وذلك كما ورد في الأثر الصحيح عن بن عباس رضي الله عنه قال : كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلها علي الإسلام .
ومعني هذا الكلام أن الأمة والذرية التي كانت تعيش بعد آدم وحتي قبيل بعثة نوح إنما كانت أمه موحدة لله مازالوا علي التوحيد حتي بدأ الناس يشركون بالله وذلك بأتخاذهم الأصنام المشهورة والمذكورة في سورة نوح .
ويبدو أنه لما ملئت الذرية شمال العراق يقال إنه ظهر فيهم خمس رجال صالحين هم ( ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر ) وأحبهم الناس لعدلهم وصلاحهم وعلمهم وتصادف بأن ماتوا جميعا في فترة واحدة متقاربة فجزع القوم عليهم فقال رجل من نسل قابيل : هل لكم أن اعمل لكم خمسة أصنام علي صورهم حتي تذكروهم ؟ . فنحت لهم خمسة أصنام ونصبها لهم ومرت السنون وعبدوها .
وقد ذكر بن عباس وغيره من السلف أن هذه أسماء قوم صالحين كانوا في قوم نوح فلما ماتوا عكفوا علي قبورهم وصوروا تماثيلهم ثم طال الأمد عليهم فعبدوهم .

وتفترض بعض المصادر بأن شيث بن آدم كان فد عبر مضيق باب المندب في نفس التوقيت الذي انتشرت فيه ذرية قابيل فيما بين النهرين . وهو الأفتراض الذي لم نجده في أحد الكتب المرجعية . وأن بنو شيث ساروا شمالا وعمروا أرض وادي النيل وولد فيهم إدريس عليه السلام – أخنووخ في التوراة – فأمنوا به واستمر فيهم التوحيد إلا انهم من بعده عاودا الي الشرك . وكان منهم من بقي علي التوحيد ورحلت قبائل منهم الي الشمال الشرقي ووصلت أرض فلسطين ثم الشام ثم شمال العراق حيث التقوا بأبناء عمومتهم أبناء قابيل .
ولعلهم أرادوا بذلك أن يوفقوا بين التاريخ ورواية العهد القديم وبين الأراء التي ذهبت الي وجود إدريس في مصر وأنه من علم أهل مصر القدماء علم الفلك والخط بالقلم وحياكة الثياب والزراعة ، وهو اجتهاد مشكور علي ايه حال .
وبناء علي هذا الأفتراض فإنهم يرجحون أن بنو شيث قد اختلطوا بأبناء عمومتهم من بني قابيل حتي ظهر فيهم الشرك ومن ثم ولد نوح عليه السلام في هذا التوقيت وبعثه الله تعالي فيهم ليعيدهم الي سبيل الرشاد .
علي أن آراء أخري تستبعد حدوث مثل هذه الأحداث بنفس الترتيب . حيث يقر مؤرخون بأن ادريس كان في الفترة التي سبقت نوح والتي لم يكن الشرك قد ظهر في الناس خلالها . وأنه كان مجددا لمله التوحيد دونما حاجة إلي أن يكون الشرك قد ظهر في الناس بعد .


حقائق هامة :
وأيا كانت الحقيقة فإن الله تعالى قد أرسل نوحا الي قومه الذين أشركوا عبدوا الأصنام بعد أجيال من التوحيد ، ينذرهم من عذاب الله عز وجل ، والجدير بالنظر في هذه القصة أشياء كثيرة نورد منها :-
·         أن قوم نوح هم أول من ابتدع عبادة الأوثان بوحي من الشيطان ، يقول النبي محمد صلي الله عليه وسلم عن رب العزة " إني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنه أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا في ما لم أنزل به سلطانا " رواه مسلم
·         أن شعوب الشرق القديم في الجزيرة العربية لم تفترق وتنتشر إلا بعد طوفان نوح وأن الله أهلك إلا من كان معه علي السفينة بما في ذلك الحيوانات والكائنات والهوام وغيرها ، لذلك أمره الله تعالي أن يأخذ معه من كل زوجين أثنين .
لكن كما هو الأمر في كل فرضيات العصور ما قبل التاريخ ينقسم الباحثين إلي فريقين أحدهما يؤكد شمولية طوفان نوح لوجه الأرض جميعا ، والقسم الآخر يرجح أن الطوفان لم يشمل إلا منطقة الشرق أي في شمال الجزيرة العربية أي منطقة الرافدين وامتدادا الي شرق أوروبا دون سواها من المناطق ويفترضون أن نوحا أرسل إلي قومه فقط في وقت كان فيه بعض الشعوب قد انتشرت بالفعل في أماكن غير شمال الجزيرة العربية – ومنها مصر وشمال أفريقيا – وأن ذلك الإنتشار كان بدأ بالفعل قبيل عصر نوح منذ عصور أبناء آدم الأولين ( عن كتاب قصص الأنبياء والتاريخ للكاتب رشدي البدراوي ) أما الفريق الآخر فيرى أن سكان الأرض جميعا حتي عصر نوح لم يكونوا سوى شعب واحد يعيش في مساحة كبيرة ، لذلك فإن الطوفان علي حد وصفهم كان عالميا وغمر أكبر بقعة ممكنة من وجه الأرض وقتها ، ويأتي علي رأس القائلين بهذا الأفتراض الحافظ بن كثير .

·         وأيا كان الرأي الصائب فإنه في النهاية لم يبدأ انتشار وتنوع الشعوب وتباينها بالشكل المفهوم إلا بعد هبوط سفينة نوح واستقرارها وتكاثر أبناءه ونزوحهم وترحالهم بين البلاد ، واستقرت علي الجودي وقد نصت التوراه علي أن السفينة قد استقرت علي جبال اراراط (أرارات) في شمال العراق أو جنوب شرق تركيا علي حدود أرمينيا وايران وتركيا ، وظلت قصة الطوفان باقية في وجدان شعوب الشرق والعالم القديم حتي تسللت الي أساطيرهم بعد أن طالتها ايادي التحريف والتوييف لإخفاء معالم القصة الحقيقية التي كانت هدفها الأسمى التأكيد علي معنى التوحيد وإنذار المكذبين والطغاه .
==========================
المرجع : فرعون ذو الأوتاد

احمد سعد الدين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق