يقول الطبري :-
" أن عمرو بن العاص لما ملك مصر أخبرهم بوصية النبي عليه
الصلاة والسلام بهم ، فقال : هذا نسب لا يحفظ حقه إلا نبي لأنه نسب بعيد وذكروا له
أن هاجر كانت أمرأة لملك من ملوكنا ووقعت بيننا وبين أهل عين شمس حروب كانت لهم في
بعضها دولة ، فقتلوا الملك وسبوها ومن هنالك تسيرت الي ابيكم إبراهيم ."
وقصة فرار الطبيب سنوحي الي خارج مصر وعودته في عصر الملك
سنوسرت الأول بعد عفوه عنه فيها تشابه مع هذه الأحداث كما انها تشير الي ترحيب
الملك بعودة المصريين الفاريين الي الخارج .
وكان الملك امنمحات الأول قد أهتم بالأمن اهتماما بالغا خاصة
أنه يعلم أنه غير مرحب به من امراء الأقاليم فهناك ثأر متوارث ظل قائما بينه
وبينهم ولكنه عامة كان من الملوك الباروزين في التاريخ المصري واشتهر بكرهه للبدو
الذين كانوا يأتون ليقطعوا الطريق ويفسدوا في أرض مصر فأرسل ابنه سنوسرت الأول
لمحاربة البدو في الصحراء الغربية وبنى عدة تحصينات علي حدود مصر وفلسطين لمنع
تسلل البدو اسماها جدار الحاكم ولبث هذا الجدار طوال حكم الأسرة الثانية عشر .
وتستمر هذه النظرية في افتراض أن الأميرة هاجر ظلت تعاني في
أسره لفترة طويلة حتي تولى الملك سنوسرت
الأول الحكم بعد مرض ابيه أمنمحات الأول وتعاطف مع السيدة هاجر ولكنه لم يستطع
اطلاق سراحها وهي ذات دم ملكي ولها الحق في حكم منف ، فلما وفد ابراهيم عليه
السلام وأمرأته سارة الي مصر اهديت هاجر لهما وأكرم ضيافتهما ، ويحاول البعض أن
يقرن بين الرسوم الجدارية التي وجدت في مقابر بني حسن بالمنيا عن من يسمى
"إبشا" وقومه من العامو أي من البدو الآسيويين ، وبين هجرة إبراهيم عليه
السلام ، حيث كانت زيارة هؤلاء القوم في عهد الملك سنوسرت ولا شك أن هؤلاء القوم
المصورون علي جداريات بني حسن تربطهم علاقة وثيقة بالشعوب التي عاصرها إبراهيم
وقومه ، فهي عينة ممتازة للشعوب الأسيوية التي كانت متواجدة في منطقوة الشام في
ذلك الوقت والتي كانت بدأت تفد الي مصر طابا للكلأ والغذاء فكان يسمح لها بين
الحين والحين بالدخول مع تسجيل ذلك ورصده ومتابعته في عهد ملوك تلك الأسرة .
وقدسجل المصريون قدوم هؤلاء الأسيوين علي جدران مقبرة شخص يدعي
( خنوم – حتب ) في منطقة بني حسن في محاقظة قنا وكان زعيمهم واسمه إبشا يحمل لقب (
حقا – خاست )الذي ورد أيضا في قصة سنوهي – سنوحي ، ويصور المنظر هؤلاء الأجانب
معهم هدية لحاكم الأقاليم وكان الرجال ملتحين وشعر رؤسهم غزير أسود اللون وكانوا
يرتدون ملابس مزخرفة بأهداب ( شرارشيب ) وكان بعضهم ينتعل نعلا ذا سيور ، علي حين
كان البعض الآخر ومن بينهم زعيم القبيلة يمشي حافي القدمين وكان بعض الرجال يحملون
أقواسا وسهاما أما النساء فكن يلبسن أثوابا مرخرفة أيضا تغطي الكتفين وتترك الثاني
عارية وكن ينتعلن أحذية حمراء ويضعن فوق رؤوسهن طرحا مثبته بحبل فوق الرأس تشبه
الكوفية والعقال وقد حاول بعض الباحثين الربط بين هؤلاء الأجانب من الأسيوين وبين
قدوم ابراهيم الي مصر ولكن ليس هناك الأدلة ما يوؤيد ذلك وبغض النظر عن القيمة
التاريخية لهذا المنظر فإن له اهمية خاصة لأنه يعطينا صورة واضحة عن مظهر الأسيوين
الذين ينتمي الهكسوس اليهم .
ومن الأحداث السابقة التي تروي أحداث مصرية داخلية علي أن هجرة
ابراهيم الي مصر قد تمت في هذا العصر وقد حاول ذلك الدكتور رشدي البدراوي في كتابه
قصص الأنبياء والتاريخ بل ولقد ذهب الي أن هؤلاء القوم هم بعينهم إبراهيم وقومه
وهو الأمر الذي لا يمكن الجزم به أو اعتباره صحيحيا فلا يوجد دليل قاطع عليه وخاصة
أنه - وعلي العكس – يوجد من الدلائل ما ينفيه .
وقد حاول الأستا سليم حسن أيضا أن يقرن ما بين هجرة ابراهيم
الي مصر وبين ما يسمي ب" ها-عبري" أو " عبري- ها " في كتابه
مصر القديمة ما نصه :-
( وفي الإمكان البرهنة علي وجود علاقة بين الحقائق التي لا
حظناها وبين قصص الأنبياء ، فمن المحتمل أن إبراهام – إبراهيم – هو "ها-عبري"
أي البدوي أو "عبرا-ها" كما جرت العادة في اللغة المصرية واللغات
القديمة وفي تبديل المقاطع ، وقد صور يزور مصر في رحلة سلمية والواقع أنه قرن
غالبا بين رحلته ورحلة ابشا الذي سار علي رأس قافلة لزيارة مصر في عهد سنوسرت
الأول كما أسلفنا ومن غريب الصدف أن هذا العصر هو العصر الذي لاحظنا فيه لأول مرة
أدلة علي وجود الهكسوس في مصر كما سبق تفصيله )
وتفترض تلك النظرية أن هذه الواقعة كانت فرصة ذهبية للملك في
التخلص من آخر من يحمل الدماء الملكية بأن تهاجر خارج مصر كباقي أهلها فلا يبقي
منهم في مصر من لع حق في الملك مع تضاؤل احتمالات العودةو بسهولة في ظل وجود جدار
الحاكم فتزوج سيدنا إبراهيم من السيدة هاجر ورزقة اللع منها بغلام حليم وهو رسول
الله إسماعيل عليه السلام وهو أكبر أبناء إبراهيم عليهم السلام جميعا .
ومع لك إذا سلمنا بصحة رواية التوراة بأن ابراهيم عليه السلام
قد وفد الي مصر فالمؤكد في هذه الحالة أن الملك الذي وفد عليه ابراهيم عليه السلام
لم يكن مصريا من شعب وادي النيل فكما تبين من كلام الأستاذ سليم حسن أن هذا هو
العصر الذي شهد تفكك الدولة المصرية الي أقاليم واقطاعيات كبيرة في عصر بدأت فيه
أمور الحكم تسوء حالات الفوضى وعدم النظام واستئثار حكام اقليمين لأقاليم منفصلة ،
وبذلك يكون الملك الذي عاصر ابراهيم من الهكسوس العموريين أو العماليق الذس يحتمل
أن أحدهم كان يحكم اقليم الفرما شرق الفرع البيلوزي المندثر والذي كان يصب في خليج
الطينة – بالوظة حاليا في شمال سيناء – ولك قبل أن يزداد نفوذهم ليستولوا علي حكم
إقليم شرق الدلتا في مصر بالكامل ومن ثم بداية استيلائهم علي الدلتا بأكملها فيما
بعد ثم مصر بالكامل حتي حدود مصر العليا .
وتدل الشواهد الأثرية أن الهكسوس العماليق قد تسللوا الي مصر
ببطء وعلي مهل ولأغراض التبادل التجاري وتعد الجداريات السابقة دليل علي بداية تلك
الموجات وكما رأينا كيف ربط المؤرخين بداية هذا التسلل الهاديء بالمجيء المفترض
لإبراهيم عليه السلام الي مصر هربا من الجوع والقحط وفقا للتوراة ، ومع العلم بأن
جميع المؤرخين لم يتفقوا علي تاريخ محدد لتلك الزيارة الي مصر وهو ما يصب في اتجاه
عدم تأكيدها .
وأيا كانت حقيقة معاصرة إبراهيم لأي العصرين فإن للحقبة العامة
لدخوله الي مصر – إذا ثبت ذلك – صلة وثيقة بموضوع هوية قوم فرعون الذين نتحدث عنهم
في بحثنا هذا علي أن هذه الأقوال والترجيحات لا تخرج بأي حال من الأحوال عن
احتمالين اثنين متقاربين في الزمن ، ومنها أن الدخول المفترض لإبراهيم الي مصر كان
معاصرا لفترة حكم الأسرة الثانية عشر المصرية أو أن دخوله كان معاصرا لبدء استيطان
الهكسوس في اقليم الفرما وشرق الدلتا وبداية استئثارهم بحكم الإقليم في عهد
الأسرتين الثالثة عشر والرابعة عشر المصريتين المتعاصرتين وعلي هذا يكون الملك
الذي استقبل ابراهيم – بفرض وفوده الي مصر – وأراد أن يأخذ سارة زوجته هو من
العماليق الهكسوس .
وكما نرى أن مجيء ابراهيم الي مصر أمر مثبت دينيا لولا تاريخيا
، وأن هذه المعلومة قد تسربت الي التاريح من التوراة المكذوبة والتوراة فقط ،
وبالتالي لا يثبت أن ابراهيم قد طاف في كل تلك الأرضي التي يعتبرونها دولتهم
الكبرى ومنها الجزء الشرقي من مصر بل وفي ولادته في أرض الكلدانيين شك كبير فلا
نعلم علي وجه التأكيد أين ولد عليه السلام ، ولا نعلم علي وجهه التأكيد أيضا إن
كان قد طاف في بلاد العراق والشام كما ادعوا في كتبهم أم لا وما عدا ذلك فهوو
تكهنات لا تغني من الحق شيئا ولا يثبت علي هذا أنه عليه السلام قد طاف بكل هذه
الأرض وحتي استقراره النسبي في أرض فلسطين لم يكن إلا إقامة مؤقتة في الصحراء
كبدوي مرتحل وليس من أصحاب الأرض ، إذن فإبراهيم لم يكن له موطن محدد أو ثابت وهم
أنفسهم وصفوه بأنه آرمي تائه ، وكذلك كان أسحاق من بعده ويعقوب من بعدهما هو
وأبناؤه الذين لم يعرفوا إلا معيشة البداوة والترحال علي أطراف الأرض ,
=============
المرجع :- فرعون ذو الأوتاد
===================================
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق